//
etImgWidth();
//
بخطوات بطيئة تدعو الى الدهشة .. تقدم الى الركن الهادئ .. الملقب بركن الذكريات .
حجرة صغيرة .. قطعة من الماضى .. يلوذ فيها وحيداً صامتاً متفكراً وأحياناً يناجي من لا وجود له!!
فيها ينثر نفسه فوق الذكريات .. بحثاً عن ذاته الضائعة وعن أشلائه المتناثرة فى كل مكان.. وعن أحلامه المتساقطة كأوراق الشجر حلم تلو الآخر.
يحلم بشئ قد يعجز الزمان على أن يأتي به .. ولكنه يُمنّي نفسه بعسى .. وأعلى الحائط ورقة قد كتبها منذ ثلاثة أعوام "سنلتقي يوماً ما .. فأحلامي دائماً ما تتحقق".
يؤمن أن الأحلام لابد أن تتحول يوماً الى حقيقة .. ولا يؤمن بشئ إسمه المستحيل .. المستحيل كلمة صنعها بعض العشاق العاجزون التائهون فوق دروب العشق .. يهربون من سياط الزمن ويخشون من لوعة العشق .. يطوفون المدن يجرون خلفهم هزائمهم العالقة.
على مقعد مكتبه الصغير يجلس واضعاً يده اليسرى على وجنته .. وعلى الأريكة المقابلة له بعض الأوراق المبللة من فرط الدموع التى يذرفها حين يكتب!!
ورقة بيضاء وحبر أحمر .. حتى تقطر الورقة دماً .. ثم يكتب.
الى التي مازلت أذكرها وأعيش على طيفها وهيَ فى عالم النسيان .. الى التي مازالت تسكن ركنا بعيدا فى أعماق قلبى وتأبى أن تغادره .. الى التى يزداد حبها يوماً بعد يوم حتى أصبح هو ذاتي وملاذي من واقع مرير أعيشه.
"حبيبتي" .. كُلما تملكتني الشجاعة أتخذ قراري وأسعى بكل ما أملك من جهد على أن أتوقف وأعلن توبتي عن التفكير فيكِ ونسيانك .. ثم أنطلق وأغمس نفسي فى الحياة .. ألهو مثل الطفل الصغير .. وأصاحب من لم أكن أتوقع يوما أن أصاحبهم .. وأدخل في علاقات كثيرة بعضها مشبوه .. وأحب كثيراً وأفارق كثيراً وأجرح كثيراً وأخادع كثيراً .. وما خفى كان أعظم!!.
ثم أوهم نفسي بأني قد نسيت .. وأن حبك أصبح عادة مثل جميع العادات التي أمارسها يومياً .. ثم أعلنها صراحةً بأني قد شُفيت تماماً من حبك ولست بحاجة الى تناول مضاد حيوي ضد التفكير
فيكِ!! .. أو بعض المسكنات القلبية!! .. أو زرع قلب آخر لا يعلم شيئا عنك!! .. وأقنع نفسي بأني الآن أكثر صلابة وبإمكاني أن أقف أمام إعصار قلبي العنيف وموج مشاعري الهادر .. ولكن عندما أسترخي قليلاً أجد شبح وجهك يطل أمامي مبتسماً .. فيسيطر عليّ شيطان حبك مرة أخرى فيدفعني الى المزيد من التفكير والى المزيد من المعاصي!!. لا تسأليني كيف لم أستطع أن أنساكِ طيلة هذه الأعوام ؟! .. لأن نفس السؤال قد سألته أول أمس ل"قيس" عندما كنت أجالسه على مقهى في وسط البلد!! .. قال "أن الإجابة عندك".
ولكن كل ما أعلمه أني أحبك جداً.. وأني عندما أنظر الى راحتي أجدك تنظرين إلي بعينيكِ الباسمتين وتهمسين في دلال "سآتي .. سآتي" .. ولكنك أبداً لم تأت
. اليوم هو الرابع عشر من أغسطس .. هل تذكرين ذلك اليوم .. اليوم يكون قد مر على آخر يوم التقينا فيه سبعة أعوام.. سبعة أعوام من التفكير والعذاب الذي لا ينتهي.. لذلك كنت قد قررت أن أكتب هذا الخطاب في نفس المكان الذي طالما إجتمعنا فيه.. وأقررت فيه بحبي رغم أني لم أسمعها منك!! .. وأهديتك وردة حمراء .. هل مازالت معك؟! وكيف تبدو؟!.
ذهبت أمس الى المكان وكانت الصدمة .. لم يعُد المكان كما كان فى الماضي جنة خضراء .. تلك الأشجار المتعددة الألوان التي كانت تتنقل على أغصانها العصافير .. أصبحت الآن أشجارا بلا أغصان أو أوراق وحلَّ مكان العصافير بأصوتها الجميلة الوطاويط بأصوتها المخيفة .. وتلك الزهور الكثيفة لم يعُد لها وجود .. فقد أوراق ذابلة ملقاة على الأرض الجرداء .
والفراشات تهاجر المكان بحثاً عن الضوء
والدفء .. حتى أحرف اسمينا تلاشت .. والبُحيرة الصغيرة جف منها الماء. هذا هو المكان باختصار .. حديقة مهجورة تتسكع فيها الأشباح .. ولكن الشيء الذي لاحظته وبعث في نفسي الأمل قليلا هو تلك الزهرة الصغيرة التي تدب فيها الحياة وتحوم حولها فراشة رائعة الألوان تأبى أن تغادر المكان!!.
«
حبيبتي".. هل تعلمي أن هذا هو خطابي التاسع والأربعون بعد المائة الثانية ولم يصلني ردّ على كل هذه الخطابات التي أسجل فيها أدق مشاعري واشتياقي اللامحدود .. أكتبي خطابا واحداالعني فيه تمسكي بماضِ انتهى وأبداً لن يعود.
أتمنى أن تكون جميع الهواجس التى تدور في رأسي خطأ وأنَّ عدم ردك ليس إلا مجرد إنشغال بالحياة .. سأدون بجوار عنواني عنوان العمل ثم أرسلي الخطاب على كلا العنوانين.
كلمة أخيرة أقولها "لا تقتلي الحب .. لا تلوثي يدك بشيء لا يغتفر"
ورجائي الوحيد "أن لا تقطعي حبل الرجاء"
كلمة الختام "أحبك"
وضع القلم وقام بطي الخطاب ووضعه داخل المظروف ودَوّن على ظهره
إسم الراسل :الهنا
إسم المرسل إليه : حبيبي عنوان المرسل إليه : لا أدري!!
وفي اليوم التالي قام بوضع المظروف فى صندوق البريد.
ولكن .. هل يصل هذه المرة!!.